يتذكر «ريزول كريم» ظروفَ تعلمه وتدريسه للغة الإنجليزية، حيث كان يوماً عائداً عبر حقول الأرز في قريته بشمال بنجلاديش. عندما اقترب هو ووالده من متجر القرية، وجدا حشداً حول جهاز تليفزيون يعمل بالبطاريات. توقف كريم ليشاهد مع الحشد، بينما كانت طائرة ثانية تصطدم بمركز التجارة العالمي. صاح الناس «أميركا تتعرض للهجوم!» نيويورك كانت مشتعلة. لقد صدمه الرعب، وأثارت كلمات الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في شوارع مانهاتن شيئاً بداخله، لذا أراد تعلم الإنجليزية ليعرف ما يقولونه.
وبدخول الكهرباء والإنترنت إلى قريته في 2010، كوّن صداقات أونلاين مع أشخاص أميركيين. برع كريم في الإنجليزية لدرجة أنه على الرغم من عدم حصوله على شهادة جامعية، فقد تم تعيينه مدرساً للغة الإنجليزية –وهو المنصب الذي شغله حتى إغلاق المدارس العام الماضي بسبب جائحة كوفيد-19. يقول كريم: «لقد تأثرت بأميركا والأميركيين على الرغم من عدم زيارتي للبلاد قط».
يعد كريم وأصدقاؤه الأميركيون جزءاً من اتصال عالمي يروج للحكمة التقليدية القائلة بأن هجمات 11 سبتمبر كانت الطلقة الأولى في «صراع الحضارات» الأوسع.
علاوة على الصدام، سواء عن طريق الرغبة أو التطور التكنولوجي البسيط، فإن الحدود الجغرافية والثقافية بين الغرب والعالم العربي والإسلامي غير واضحة، حيث أدى التقاء الأفكار إلى الاعتراف بالروابط المشتركة، وبشكل متزايد، القيم المشتركة.
تقول «جوسلين سيزاري»، أستاذة الدين والسياسة بجامعة برمنجهام في إنجلترا وزميلة بارزة في مركز بيركلي للدين والسلام والشؤون العالمية بجامعة جورج تاون «الفكرة القائلة بأن القيم بين الغرب والعالم الإسلامي ليست متطابقة ولكنها متعارضة مع بعضها البعض هي فكرة خاطئة تاريخياً».
وأضافت: «لا يوجد صراع حضارات. لقد تم فضحه من خلال العلوم الاجتماعية والبيانات، والتي أظهرت أن معظم الصراعات تحدث داخل الحضارة وليس بين الحضارات. لكن هذا التفكير مستمر لأن الناس غالباً ما يستخدمون الصور النمطية لبناء وجهات نظرهم عن الآخر. ويكسر الأفراد الصور النمطية من خلال التواصل مع بعضهم البعض. لكن ما ينقص هو القيادة السياسية والدينية التي تدعم ذلك».
بعد الأزمات المالية العالمية المتعددة، والوباء، والديمقراطية المهددة، والمنافسة بين الولايات المتحدة والصين، قد يكون من الصعب تصديق أنه في مطلع القرن، قبل 11 سبتمبر، كان الشاغل الأكبر في أميركا هو ظهور صدام ثقافي بين الغرب والشرق.
ادعى بعض السياسيين والنقاد أن هذا كان إدراكاً لما صاغه صموئيل هنتنجتون، الأستاذ بجامعة هارفارد، عام 1996 بأنه «صراع الحضارات»، وهو مستقبل لن تخاض فيه الحروب بين الدول القومية، بل بين الثقافات المتحاربة.
ووصف الرئيس جورج دبليو بوش التحركات الإرهابية على هذا النحو: «إنهم يكرهون حريتنا». وقام البعض بتطبيق ذلك عن طريق الخطأ ليشمل المنطقة بأكملها، اعتقاداً بأن الغرب والعالم العربي والإسلامي لهما قيم متعارضة ومتضاربة.
كرد فعل على أحداث 11 سبتمبر، بدأت المؤسسات الأميركية والحكومة برامج التبادل، وجلبت الطلاب العرب والمسلمين والصحفيين والأكاديميين إلى الولايات المتحدة –وهو نهج القوة الناعمة في منطقة كانت الولايات المتحدة متورطة فيها في حروب متعددة.
تعد لمى الناصر واحدة من مئات الذين شاركوا. أتت الاختصاصية النفسية السعودية إلى الولايات المتحدة عام 2009 وهي في سن 15 للدراسة لمدة عام من خلال برنامج كينيدي –لوجار لتبادل الطلاب والدراسة في الخارج، وكان من المفترض أن تكون سفيرة لبلدها وعرقها ودينها في أميركا مليئة بالأحكام المسبقة والصور النمطية.
تقول الناصر: «أخبرني الناس في بلادي أن أتوقع العنصرية لأنني عربية ومسلمة». بقيت مع عائلة محبة في مزرعة وسرعان ما عرفت كل شخص في المدينة. تتذكر الناصر أن الفضول بشأن أول عربي مسلم في المدينة دفع الناس إلى الترحيب بها. كما شاركت في مختلف الأنشطة الرياضية وأصبحت شغوفة بخدمة المجتمع.
كما شهد العقدان الماضيان أيضاً انفجاراً في التبادل اللغوي. تضاعف عدد الطلاب الجامعيين الأميركيين المسجلين في دورات اللغة الغربية من 5000 في 1998 إلى 10500 في 2002، وارتفع إلى 35000 خلال السنوات العشر الماضية. وفي الوقت نفسه، أصبحت اللغة الإنجليزية مقرراً إلزامياً في الصف الأول في العديد من البلدان العربية.
وما بدأ باعتباره اختراقاً للتبادل الثقافي والدبلوماسية في أوائل العقد الأول من القرن 21، أفسح المجال للتواصل الجماهيري من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
من خلال الهاتف الذكي، بات المواطنون في جميع أنحاء العالم قادرين على التواصل في الوقت الفعلي مع الأحداث الإخبارية ويجدون قضايا مشتركة من تغير المناخ إلى العدالة الاجتماعية إلى الطهي أو الألعاب.
إنه اتجاه دفع أشخاصاً مثل عازف الإيقاع التركي بلال جوريجن، المصاب بضعف البصر، إلى صفوف النجوم العالميين بعد أن حصل أدائه في بث مباشر لأغنية «إيفان بولكا» على أكثر من 85 مليون مشاهدة على اليوتيوب.
يقول عمار سعيد، طالب جامعي أردني: «نقوم ببث نفس المسلسلات التليفزيونية، ونلعب نفس ألعاب الفيديو، ونستمع إلى نفس الأغاني، ونستخدم تطبيق تيك توك للتعبير عن أنفسنا: لدينا قواسم مشتركة مع أبناء جيلنا في جميع أنحاء العالم أكثر مما لدينا مع الأجيال الأكبر سنا في قريتنا».
وكان فيسبوك هو الجسر الذي أدخل مراقب الحركة الجوية الأميركي المتقاعد توماس بيسنيكاك في محادثة مع العديد من البنغاليين، بمن فيهم كريم.
يقول بيسنيكاك: «الاستماع إلى أشخاص عاديين من خلفات مختلفة ووجهات نظر مختلفة للغاية يمنح الشخص إحساساً جيداً بمن نحن»، أكثر بكثير من مجرد سياسة حكومية أو مشاركة عسكرية أو سياسية. ويضيف «سيكون هناك دائما متشددون على هامش كل مجتمع يقنصون بعضهم البعض، ولكن بمجرد أن يجتمع الناس ويتحدثون، فإن ذلك يكسر الحواجز ويفتح عوالم جديدة».
مثل هذه الروابط تخلق أيضا تناسقاً في النشاط. وتنشأ جسور التفاهم ليس فقط بين الناس، ولكن أيضا من خلال التقاء الأفكار بين القادة الدينيين.
أعطت هجمات 11 سبتمبر، التي وصفها قادة الديانات الإسلامية والمسيحية بأنها دعوة للاستيقاظ، دفعة من الطاقة للمجتمع الديني، مما أدى إلى توسيع العلاقات بين الأديان من التواصل بين المسيحيين بعضهم ببعض وبين المسيحيين واليهود ليشمل الإسلام والبوذية والطاوية والهندوسية والسيخية.
وما بدأ كبيانات موحدة تندد بالعنف باسم الدين سرعان ما تحول إلى استكشاف للروابط المشتركة واحترام تقاليد الآخر –والآن، العمل المشترك.
من بين إحدى الهيئات الرائدة، يأتي «منتدى القيم الدينية لمجموعة العشرين»، وهو تجمع للقادة والممثلين عبر ديانات العالم لمناقشة التحديات والحلول المشتركة لتغير المناخ، والعنصرية، والاتجار بالبشر، والقيود المفروضة على التعبير الديني، وعدم المساواة، وعلى وجه الخصوص الاستجابة لكوفيد-19.
لكن الاختلافات، وأحيانا التوترات، ما زالت قائمة. ولا يزال الاستياء من السياسة الخارجية يطغى على وجهة نظر أميركا بالنسبة للبعض، لا سيما قضية حقوق الفلسطينيين، والتدخل العسكري الأميركي في المنطقة.
تايلور لوك
مراسل صحيفة كريستيان ساينس مونيتور في الشرق الأوسط
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»